الخميس، 16 يوليو 2009



أدمنت منذ سنوات ارتياد الشّبكة العنكبوتيّة، فلطالما ارتدتها بحثا عن معلومة في إطار الدّراسة أو العمل، كما مكّنتني من تكوين شبكة علاقات وصداقة مع شبّان وشابّات من مختلف أصقاع الأرض ومن مختلف الحضارات، ولكم وقعت لي مع الكثير منهم من التّوتّر بسبب اختلاف وجهات النّظر أو التّموقع إزاء حدث عرفته البشريّة من استنساخ إلى قضايا الشّعوب المضطهدة مرورا بقضايا حضاريّة وفلسفيّة وأدبيّة، ولكن هذه التّوتّرات تنتهي في الغالب بصداقات وفي حالات نادرة بقطيعة، فأنا إنسان آمنت منذ صغري بكون لكلّ إنسان وجهة نظر لا تخلو من الوجاهة وفق مرجعيّاته وزوايا نظره، فلم أطرح على نفسي تغيير العالم، وإنّما الوقوف على مدى قدرتي على سوق أفكاري وإقناع الآخر بها، وأيضا الوقوف على مدى قدرتي على تفهّم وجهات النّظر المخالفة .
منذ أيّام فتحت بريدي الإلكتروني، فلفت نظري رسالة من شخص لا أعرفه، وما دمت أميل إلى توسيع دائرة صداقاتي، فقد بادرت بفتحها فإذا بها دعوة إلى التّسجيل بمنتدى جديد يهتمّ بقضايا فكريّة سياسيّة، تردّدت في البداية إذ سبق لي أن سجّلت بأكثر من منتدى ولكنّها كانت أشبه ما تكون بزبد يظهر فوق سطح الماء ثمّ يذهب جُفاءً، قليل هي المنتديات الّتي استمرّت، وبحركة من فأرتي ضغطتّ على الرّابط، تجوّلت بالمنتدى قبل أن أسجّل، فكان بديع العرض والتّنسيق، غير أنّ الحركة داخله تكون منعدمة، وطغت عليّ الرّغبة في التّسجيل به ففعلت، ووصلتني رسالة المدير تعلمني بإمكانيّة الشّروع بالمشاركة توّا، دخلت بعض المواضيع فكانت تكتسي قيمة راقية على ندرتها، أدليت بدلوي في أغلبها، ثمّ فتحت موضوعا جديدا حول الموازنة بين الحقّ والواجب، ومدى مساهمتهما في رقيّ المجتمعات، ثمّ فتحت دفتر العناوين ببريدي الخاصّ ورحت أرسل دعاية لهذا المنتدى لكلّ الأصدقاء العرب طبعا، لأنّ المنتدى عربيّ، قطعت بعد ذلك الاتّصال بالنّت، وأطفأت الحاسب، وعدت إلى عالمي الحقيقيّ بما فيه من تفاعلات مادّيّة وتناقضات منها تتأسّس الحياة .
مضى يومان لم أدخل فيهما المنتدى الجديد، فالوقت بالكاد يكفي لإنجاز أعمالي وواجباتي إزاء أسرتي وعملي، ودخلت، فوجدت رسالة من المدير تقترح عليّ تولّي الإشراف على منتدى الفكر الدّيمقراطيّ، لم أتردّد طويلا، بل قبلت الأمر، فهذه اللّعبة تروقني، افتتحت مواضيعي بالرّكن بمحاولة وضع ميثاق، يلتزمه الجميع، حتّى ينمو بيننا الحوار الدّيمقراطيّ، وكان أوّل موضوع لعضو مثقّف يدعي أبو ميسان، وكان عنوانه " نحن والدّيمقراطيّة" كان يبدو متماسكا في أطروحاته مهذّبا في لغته وتناوله، ميّزته بنجمة، وما هي إلاّ دقائق حتّى لاحظت مشاركات عديدة في الموضوع، وصل إلى الصّفحة الخامسة خلا ربع ساعة، سرّني الأمر، فمن المطالب الحيويّة للإنسان الدّيمقراطيّة، دخلت وشرعت في قراءة الرّدود، ماذا أرى ؟ الموضوع عدل عن مساره، والأعضاء في شتم وتسابب، فهذا يرفع شعار أن لا ديمقراطيّة مع أعداء الدّيمقراطيّة، والآخر ينادي بمعاداة التّيوقراطيّة باعتباره تمثّل نظرة أحاديّة للوجود الإنسانيّ، والآخر ينعت من يعارض فكرته بالميوعة والعمالة لأعداء الأمّة، بل وصل الأمر إلى حدّ الوعد والوعيد والتّهديد، وشتّى أشكال التّحقير والمسّ من الذّوات المختلفة، لم أجد حلاّ إلاّ استعمال ما أتاحته لي الإدارة من أزرار لإخفاء الرّدود المخالفة لما وضعته من ميثاق، لم يصمد من الرّدود إلاّ ثلاثةً، كان أحدها "لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم" وآخر هو "اتّقوا الله في خلقه" والثّالث "يا جماعة لا تنسوا أنفسكم ولا تنسوا المعروف بينكم" ولست أدري أنّي بإخفاء الرّدود قد فتحت على نفسي حمما من قاموس الشّتائم، فهذا ينعتني بالتّحجّر والظّلاميّة ومساندة الإرهاب بكلّ أشكاله، والآخر ينعتني بالتّغرّب والكفر والإلحاد، وثالث يطرح أسئلة حول بلدي ومستواي الثّقافيّ، ورابع ينعتني بديكتاتور الفكر، ... والأغرب من هذا هو أنّ جلّ العضويّات المتطاولة عليّ وعلى المنتدى حديثة وقليلة المشاركات، ولا أذكر أنّي أخفيت ردّا لأحدها، حيّرني الأمر، ولكنّ حيرتي لم تطل فقد تذكّرت أنّ الإدارة تسمح بالمشاركة الفوريّة لكلّ عضويّة جديدة، وتذكّرت أنّ بيننا دائما من يسعى إلى التّخفّي وراء قناع لممارسة هواية جلد الآخر بكلّ أشكاله، تذكّرت أيضا أنّ لي أزرارا أخرى يمكنني استعمالها، فقدّمت طلبا في قفل هذه العضويّات المتطاولة، وكان كلّما قفلت عضويّة فتحت عشرة أخر، ... وصلتني رسالة من أحد الأعضاء يقول صاحبها: "ما دامت الدّيمقراطيّة بعيدة عن ممارستكم، فما الّذي دفعكم إليها؟" كانت هذه الرّسالة ناقوس إنذار فعل بي فعله، وتذكّرت علاقاتي داخل مختلف المنتديات، وبعض المواقف الّتي وجدت نفسي فيها مع المشرفين، وذهب بي الخيال بعيدا، وتصوّرت نفسي حاكما ديمقراطيّا يسمح للنّاس بالتّفكير الحرّ في حدود ما يتيحه لهم من فرص، فيمارس السّجن وشتّى صنوف القمع على كلّ من لا ينخرط في لعبته لذلك ترى الشّعب ضائعا بين الطّاعة ومصالح الأفراد والوطن وتساءلت: "ما ضرّني لو تركت كلّ تلك الرّدود ؟ فهي تعبّر عن أصحابها!" ... أحسست بغثيان رهيب وبدوار، فأعدت إظهار كلّ المشاركات، ووضعت ميثاق المنتدى للتّذكير، وليكن ما يكون ، وكانت المفاجأة الّتي غطّت على كلّ هذه الممارسات، لقد وصلتني رسالة من الإدارة نصّها "ما دمت لست في حجم المسؤوليّة ، ما الّذي دفعك عليها سيسحب منك الإشراف" لم أردّ عليها، بل قطعت الاتّصال بالنّت وأطفأت الحاسب وعدت إلى عالميّ الحقيقيّ المادّي بكلّ تناقضاته وبي إيمان أن لولا التّناقض لما كانت الحياة .
انتهت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق