الخميس، 16 يوليو 2009

~* هل أخفقت في تربيتك ؟! *~


لقد كان العمل اليوم مرهقا ، فتنقّلت من الصّباح مسافات طويلة باستعمال نّقل العموميّ ، فأنا لا أملك سيّارة ولا رخصة قيادة، وقد نالتْ منّي خيوك المطر وعبثت الرّياح بمطريّتي الضّعيفة ، فبعدما كانت تقيني المطر رأيتني أحيانا أقيها الانكسار بفعل الرّياح ، لقد اجتمعت عليّ السّماء والأرض فلم يسلم حذائي ولا سربالي من البلل ، بل إنّ حذائي فتح شدقيه كاشفا عن جوارب تحوي أصابعي بمفعول البرك ، فقط حرصت على أن لا يتبلّل الجذع والرّأس . بعد كفاح هذا اليوم الشّاقّ عدت الآن إلى البيْتِ ، أسرعتُ بتغيير ملابسيّ ، توضّاْتُ وأدّيت ما فاتني من صلوات ، ثمّ أعددْتُ بنفسي كأس قهوة لأزيل ما بي من تشنّج، قصدت قاعة الجلوس ، وكان طفلي أيهم ملقى على الأريكة لمشاهدة قناته المفضّلة الّتي لا تبثّ إلاّ أفلام الكرطون ، وكان يحلو له بين الفينة والأخرى القيام بحركات بهلوانيّة تعبيرا عن تفاعله مع المشاهد ، دنوْتُ منه أقبّله فدفعني بلطف ، في حركة لاشعوريّة ، لم أغتظْ ، فقد ألفتُ منه ذلك في مثل هذا الموقف ، همستُ :" أيمكنني تغيير القناة؟" دون أن يجيبني انقضّ على جهاز التّحكّم عن بعد ، حاولت انتزاعه منه فحدجني بنظرة تجمع اللّوم إلى الغضب ، أعلمته أنّ القناة الوثائقيّة ستبثّ بعد قليل برنامجا حول مثلّث برمودا ، فهزّ كتفيه في حركة تدلّ على اللاّمبالاة، تجاسرْتُ فانتزعت منه جهاز التّحكّم وأطفأت التّلفاز ، اهتزّ كمن أصيب بمسّ ، لم أعطه الفرصة للتّمادي في تصرّفاته إذ همست :
- أنت الآن لم تعد صغيرا ، يجب أن لا تقصر حياتك ووقت فراغك على مشاهدة أفلام الكرطون ...
- أبي ، لماذا تصرّ على إفساد مزاجي ؟ ماذا لديّ لأفعله عدا ذلك ؟
- هل أنجزت واجباتك المدرسيّة ؟
- أنجزتها عندما عدت من المدرسة ، هل لديك أمر آخر ؟
- انظر ، أنت الآن في سنّ العاشرة ، فهناك قنوات تقدّم برامج علميّة ودينيّة جيّدة ، وعلك أن توسّع دائرة معارفك فلا تظلّ رهين صور تتراقص أمامك ولن تفيدك بالشّيء الكثير .
- أبي ، الأ ترى أنّها طريفة ومسلّية ؟ ألم تكن في سنواتي السابقة تضع لي أفلام توم ودجيري لأتركك تعمل ؟
- لك بعض الحقّ في ذلك ، ولكن ، لا يمكن أن تقضي حياتك متشبّثا بتلابيب طفولتك الأولى ، يجب أن تنوّع مصادر معلوماتك وأن تختلط بأقرانك لتتعلّم الحياة .
- عجبا لك يا أبي ! ألم تكن تمنعني من ملاعبة أبناء الجيران متعلّلا بأنّ لهم أخلاقا سقيمة تخشى عليّ التّخلّق بها ، بل إنّي من موقفك ذاك صرت أتحاشى الأقران بالمدرسة .
- أكيد ، فعلت ذلك في البداية ، ولكن الآن بدأت تكبر ويجب أن تتعلّم كيف تعاشر الآخرين ، كيف تخاصمهم وتصالحهم ، كيف تعينهم وتستعين بهم ، كيف تخوض معهم في البيع والشّراء ، وكيف تفرض شخصيّتك بينهم، فأنت لن تقضي حياتك بين هذه الجدران أمام التّلفاز .
- فعلا أحسّ أحيانا برغبة في مشاركتهم أحاديثهم في المدرسة أو في طريق العودة ولكنّي لا أفهم كثيرا ممّا يقولون ، وإن تكلّمت ضحكوا منّي وكأنّي قادم من عالم غريب ، فأضحك معهم وأنسحب .
- لك الحقّ في ذلك ، ولكن كيف سنغيّر ذلك ؟
ودون أن يواصل الحديث استلّ منّي جهاز التّحكّم وشغّل التّلفاز وتسمّر أمام فلم لبطليْه المفضّلين توم ودجيري ، لم أمانع ، ولكنّي في قرارة نفسي قرّرت تغيير الكثير من المواقف ، وستكون البداية باصطحابه معي أثناء التّسوّق ، وزيارة الأقارب والجيران ، وتسجيله بنادي الألعاب القريب من منزلنا ، لعلّه يخرج من هذه البوتقة الضّيّقة .
انتهت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق