الخميس، 16 يوليو 2009

*~* حادث رهيب *~*

كان الطّقس ربيعيّا صافي السّماء ، وكانت الشّمس تتوسّط السّماء مرسلة أشعّة دافئة في البداية ولكن إذا داوم الشّخص منّا على البقاء تحت أشعّتها لدقائق تعرّق وسرت في جسمه حرارة تنذر بالخطر ، وقد كان أجدادنا يقولون : " شمس النّوّار ، تُخْلي الديار " وكان الكبار يذكّرون صغارهم بهذه المقولة كلّما عنّ لهم اللّعب في الشّارع ، خاصّة وأنّ المدارس قد أغلقت أبوابها اليوم ، إنّه يوم المولد النبويّ الشّريف على صاحبه أطيب الصّلاة وأزكى السّلام .
كان اليوم يوم فرحة بمختلف بيوت المدينة فالأمّهات تستيقظن منذ الصّباح الباكر فتعددن مأكولات خاصّة بهذه المناسبة العزيزة على قلوب المسلمين فتطعمن صغارهنّ ويهادين منها الأقارب والجيران ، كان الجوّ بالمدينة هادئ عندما حانت السّاعة الثّالثة بعد الزّوال ، وفجأة سمع الأهالي صوت انفجار عنيف يهزّ السّكينة فيبعث في القلوب رعبا وحيرة وأسى، وما هي إلاّ لحظات حتّى تعالى عمود من الدّخان الكثيف الأسود من مدخل المدينة، وهرع الجميع من شبّان ورجال وأطفال لاستطلاع الأمر، وكنت مع الرّاكضين، حيث أنّنا أخذنا نجري غير آبهين لشيء وكأنّما ينتظرنا هناك أمر يعنينا إلى درجة أنّ كلّ واح منّا لا يريد أن تفوته هذه المناسبة، وصلنا المكان فوجدنا سكّان بعض النّاس من الفلاّحين والمزارعين في جيئة وذهاب ، فبعضهم تسلّح برفش لإخماد النّيران الرّهيبة الّتي كانت تعبث بعربتين من قطارين متصادمين ، وكان البعض الآخر يركض بالأواني جالبا ما استطاع من ماء لصبّه على النّيران الّتي بدت وكأنّها حمم بركان لا يسلم منها أخضر ولا يابس ، كان بقيّة ركّاب القطار يلوذون بالفرار من النّوافذ الزّجاجيّة المحطّمة خشية وصول اللّهب إليهم ، كانت بعض الأمّهات تلقين بصغارهنّ من النّوافذ إلى بعض الّذين اضطلعوا بدور المنقذين ، وتمّ تشغيل الهواتف الخلويّة لاستدعاء شرطة النّجدة ، ولكن المشكلة أنّ مكان الحادث واقع بين الحقول في منطقة يعسر الوصول إليها على كلّ عربة من عرباتهم ، وكان كلّما التحق فوج من الأهالي خاض المعركة مع اللّهب غير آبه بما قد يتعرّض إليه من خطر، وكانت صيحات النّساء وعويلهنّ يمتزج بصراخ الأطفال والرّجال وسط العربتين اللّتيْن عبثت بهما النّيران ، وكانت كلّما صبّ عليها ماء تراجعت لحظة ثمّ قفزت في الفضاء أكثر شدّة، إنّه موقف رهيب يمزّق القلوب، لقد تمّ إنقاذ أنفار قليلين من قبل الأهالي ، في حين احترق عدد كبير ممّن علق بالعربتين ، ولم يكن بالإمكان فعل شيء أمام ضراوة ألسنة اللّهب ...
بعد زهاء السّاعة وصل أعوان الشّرطة وشرطة النّجدة مجهّزين بخراطيم الإطفاء وأكسية خاصّة تقي أجسادهم خطر الاحتراق ، لكن ، لقد قضى عدد كبير ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، بدأت الشّرطة تبعد النّاس عن مكان الحادث ، فبدأ الهمز واللّمز ، فمن الحاضرين من أوّل ذلك بالخشية على حياتهم ومنهم من أوّل هذا التّصرّف بتجنّب تعطيل شرطة النّجدة ، وبعض الألسنة الخبيثة بدأت تتهامس بأنّ ذلك لإخفاء العدد الصّحيح للضّحايا خشية أن يمتنع النّاس عن ركوب القطارات ... اندفع رجل الإطفاء كالأسود نحو الحريق فأخمدوه في عشرة دقائق ، وانبعثت رائحة الشّواء من العربتيْن ، فزاغت العيون ولمعت دموع أسى في عيون الجميع ولم يتمالك بعضهم نفسه عن البكاء والعويل ، في حين تجمّع بعض الشّبّان حول أحد النّاجين فأخذ يقصّ عليهم كيف كان يجلس بالعربة الأولى ، ولكنّه فجأة أحسّ برغبة في تغييرها ، وقد كان يتحدّث وبريق فرح يلمع من ناظريه أو لعلّه فزع الموت ، أو إحساس من نجا من مصير لا مناص منه إلاّ أن يشاء الله .
واصل أعوان الشّرطة جهودهم لتفريق النّاس وإبعادهم عن مكان الحادث حتّى يتسنّى لأعوان الإطفاء إخراج بقايا أجسام متفحّمة من العربتين، فانحنت الرّؤوس ، وقفل الجميع راجعين إلى بيوتهم قاصّين على بعضهم البعض الأعمال البطوليّة الّتي بذلوها لإنقاذ بعض الضّحايا .
انتهت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق