الخميس، 16 يوليو 2009

حصاد اللّسان أو عاقبة التّهوّر


كان الجوّ غائما بالخارج، فخيوط المطر حوّلت بقايا الطّريق بركا ومستنقعات، لقد آوى أغلب النّاس إلى بيوتهم، في حين خيّر العربيّ وثلاثة من أقرانه تقاسم متعة لعب الورق بأحد المقاهي، لقد لعبوا أكثر من مباراة، وكان من يحقّق انتصارا يزهو ويفخر على الأصدقاء زهو طفل ينجح في لعبة مستعصية، كان كلّ واحد منهم يشعر بتحدّ رهيب لأقرانه وكأنّه المسؤول عن سحب الأوراق، والحال أنّها لعبة شيطان أو لعبة صدفة، أحسّ العربيّ أنّ الحظّ لا يحالفه اليوم، فقد هرمه السّيل الذّهاب إلى العمل، وحرمه إبليس الورق متعة زهو انتصار وهميّ، تلاعب الشّيطان بدماغه حين رفع أحد الأقران صوته مزهوّا بالانتصار، لم يتمالك نفسه، رماه بالورق فاستشاط غضبا، وحاول ردّ افعل بصفعه، أحسّ العربيّ إهانة مضاعفة فرمى خصمه بقلم كان يستعمل لتسجيل النّقاط، حميت بينهما الحرب الكلاميّة، ووجّه كلّ منهما لصديق الأمس عدوّ اليوم وابل من أحطّ النّعوت، ثارت ثائرة العربيّ فتوعّد خصمه بالقتل إذا ما انفرد به، تدخّل بعض زبائن المقهى لفضّ المناوشة ومضى كلّ إلى سبيله غير آبه ببقايا أمطار نازلة من السّماء وأخرى متجمّعة على الأرض...
ومن الغد أفاقت القرية الوديعة على سماء صاحية وبقايا أوحال تغطّي أجزاء من الطّريق، ولكن أفاقت على فاجعة، إذ عُثِر على خصم العربيّ مقتولا عند الوادي، وسرى الخبر سريان النّار في الهشيم، تذكّر من حضر الواقعة الخصومة، وكيف توعّد العربيّ خصمه بالقتل، وزاغت الأبصار وتواتر الهمس " أتراه فعلها العربيّ ؟" فيأتي الجواب تارة " لا يفعلها، إنّه لا يقوى على قتل حشرة ، والله أعلم " وطورا " لقد سيطر عليه إبليس لعنه الله، ففعلها، يا للمسكين قد يواجه الإعدام ، ربّما يكون ترصّده حتّى انتحى جهة الوادي فقتله" وكما أن الأخبار لا تخفى على مأمور القرية، نقل أولاد الحلال الخبر إليه، فكانت سيّارة الشّرطة تقف أمام بيت العربيّ فيطوّق الأعوان المنزل ، ويقرع أحدهم الباب بقسوة، تطلّ أمّ العربيّ فيدفعها، يجتاز الباب إلى الغرفة، لعلّ من أخبرهم قدّم لهم كلّ التّفاصيل عن العربيّ وعن بيته، دخل عليه الغرفة وهو نائم، خاطبه بغلظة: "انهض ايّها الوغد، قضّيت ليلك في القتل وها أنت تستريح من تعب البارحة، انهض قبل أن أهشّم رأسك" تقع الكلمات على العربيّ وقع السّياط، ينتفض ساعلا: " ما الأمر ؟ ماذا حدث؟ إنّي مصاب بنزلة زكام..." لم يمهله الشّرطيّ بل عاجله بصفعة كاد يردّها العربيّ لولا أن تذكّر أنّ من أمامه لا يرحم وأنّ ما ينتظره بالمأموريّة أخطر، تحامل على نفسه ونهض، وضع ما وجده حذو سريره من ملابس ثمّ اقتاده مخاطبه إلى الخارج دون أن يسمح له بغسل أطرافه ولا شرب قهوة الصّباح، وردّد الأهالي "العربيّ قاتل، لقد قتل نفسا بغير حقّ أكيد أنّهم سيشنقونه" . حاول العربيّ أثناء التّحقيق إقناع المحقّق بأنّه لم يغادر بيت أسرته من الأمس بسبب زكام ألمّ به لمّا غادر المقهى دون اكتراث لتغيّر درجة الحرارة بين الدّاخل والخارج، لكن دون جدوى، فكلّ من حضر الواقعة أكّد أنّ العربيّ هدّد خصمه بالقتل، وكان ذلك كافيا لتوجيه تهمة القتل إليه وإيداعه السّجن بانتظار المحاكمة ...
انتهت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق