الأربعاء، 15 يوليو 2009

*~ مع إبليس ـ لعنه الله ~*

تصدير :
اللّهمّ ثبّتنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به ، آميــن .

لقد تعبت من الشّغل طوال اليوم ، وهُدَّتْ قواي ، فكنت أسير كمن يحمل أثقال السّماء والأرض على كاهله ، أنتظر لحظة وصولي إلى المنزل ، لقضاء ما فاتني من صلوات ، فمشغّلنا لا يوفّر لنا مكانا للعبادة ولا يسمح لنا بالانقطاع عن العمل لأداء ما علينا أداؤه من تقرّب إلى الله ، وكنت كلّما سمعت صوت المؤذّن أستغفر الله وأهمس :" اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت سيّدنا محمّدا الوسيلة والفضيلة والدّرجة الرّفيعة وابعثه المقام المحمود الّذي وعدته ، إنّك لا تخلف الميعاد " عسى الله يغفر لي بها تقصيري كرها عن تلبية النّداء ...
كنت أسير بخطى متثاقلة وإذا يد تلامس كتفي وصوت يستوقفني مناديا : "عيّاش البلديّ " ، أحسست قشعريرة تسري في بدنيّ وبردا يسري في شراييني ، فالمكان مقفر والطّريق ضيّقة ، ولا مغيث إلاّ الله ، تمالكت نفسي والتفتّ فإذا أنا قبالة وجه قبيح غريب لا أعرفه، ولكنّه ناداني باسمي ! لم يترك لي فرصة للسّؤال وتمادى : "أنت لا تعرفني ، ولكنّي أعرفك وأزورك في بيتك وعملك ... " تجاسرت قائلا : "من تكون ؟" فردّ في زهو :" أنا الشّيطان " ودون أن أشعر همست : " أعوذ بالله منك ومن همزك ولمزك ونفخك " ارتدّ إلى الخلف ، وكأنّي شهرت في وجهه سلاحا ، ثمّ أردف : " ماذا فعلت لك ؟ أنتم بني البشر ، تناصبوني العداء ، رغم فضائلي عليكم ، فما أجحدكم ، وما أقلّ معروفكم إلاّ قلّة قليلة"
ـ قلّة قليلة ؟ هل يوجد من يحبّك ويطيعك منّا ؟!
ـ أكيـــد ، بل يوجد من قال فيّ :
إبليس خير من أبيكم آدم * فتبصّروا يا معشر الفجّـــــــار
النّار عنصره وآدم طــــينة * والطّين لا يسمو سموّ النّار
- أكيد أنّه معتوه من قال هذا الشّعر أو ضعيف نفس قد سيطرتَ عليه فراح يمتدحك بما لستَ أهلا له .
- العكس تماما فهو من القلائل الّذين يعترفون بفضلي ، فالبقيّة ينعمون بما أنصحهم به ، ثمّ يلعنونني .
- عليك اللّعنة إلى يوم الدّين .
- ها أنت تخطئ بحقّي رغم أنّي لم أمسَسْك بسوء .
- بل وجودك هو السّوء بعينه ، تَنَحَّ من طريقي ، وابحث عمّن تغويه غيري.
- ها أنت تداري ضعفك ، وتحاول التّهرّب من مواجهة الحقيقة ، هكذا أنتم بنو آدم ، ضعاف أمام الحجّة والبرهان ...
- الحجّة والبرهان ؟ كيف ؟
- لقد خلق الله أباكم آدم ودعانا لنسجد لما خلق فانصاع الملائكة ورفضت أنا ، وكنت أعرف أنّه لولا رفضي لما تكاثرتم ولما تطوّرتم ، وقد وسوست لأبيكم آدم لأخرجه من حياة الجمود والسّآمة والملل إلى حياة ملؤها الحركة والتّطوّر ، أتنكر ذلك ؟
- لا أريد منك حجّة ولا برهان فأنا إنسان بسيط أومن بالله وأطيعه ما استطعت ، ولا أشكّ ولا أجادل في ما أنزل على رسله .
- لولا همزي ولمزي لما كنت أنت ولا آباؤك ولا أجدادك ، بل كان سيبقى آدم وحوّاء وحدهما ينعمان لزمن ثمّ تسري إليهما السّآمة ، فيقعان في المحظور ، وربّما يتقاتلان .
- لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ، اترك سبيلي عليك اللّعنة .
ومضيت ، ولكنّه أصرّ على مرافقتي كرها ، وكان يحاول غوايتي بشتّى الأشكال فتارة يوهمني بأنّي جبان ولا أستطيع التّمتّع بما خلق الله من نعم ، حرّمها عليّ فامتثلت ، وطورا يدعوني إلى تجريب لذّات الحياة حيث العيش الحقيقيّ المتحرّر من كلّ القيود وأن الله غفور رحيم وسيتجاوز عن زلاّت أرتكبها في لحظات ضعف ولكنّها لا تخلو من انتشاء، دخلت البيت فدخل معي دون استئذان ، حاولت إقناعه بأنّ في ذلك قلّة أدب فحاجّني بأنّ ما نسميّة أدبا ليس إلاّ ضعفا في أنفسنا ، وراح يحدّثني عن فضائله ، وكيف أنّه مرّة رأى شيخا يحمل جرّة عسل يقصد السّوق لبيعها فإذا به يسقطها عنه فينساب عسلها ، وإذا النّاس يلعقون العسل ويلعنون الشّيطان ، وعن رجل طلع له في المنام وأخذه إلى السّماوات السّبع ولمّا أراد قضاء حاجة بشريّة سمح له بفعل ذلك على رقبته ففعل ولمّا أفاق ووجد أنّه قد بلّ فراشه فراح يلعنه ونسي جولة رائقة في عوالم فسيحة ، حنقت لحديثه وقلت : "ماذا تريد منّي بالنهاية ؟ " فتهلّلت أساريره وقال :" ها أنت بدأت تلين وتدرك حقيقة الأمور ، لا أريد إلاّ خيرا لك ، أريد أن أخرجك من الحرمان إلى متعة الحياة ولذّتها كما أخرجت أباك آدم من وحشة الوحدة والسّآمة إلى نور الحياة بما فيها من متع ولذّات ، أريدك أن تعيش بالحياة لا أن تقضّيَها في دوّامة من الخوف والطّمع ، تمتّع بوجودك " فاحتججت :" ومن أدراك أنّي لا أتمتّع بوجودي ؟ " ولكنّه كان لجوجا لعينا حيث قال : " أنت تقتل كلّ مشاعرك وطموحك وما وهبك الله من طاقات وتتظاهر بالورع والتّقوى في حين أنّك ترنو إلى الملذّات ولا تجرؤ عليها ، فتعاني الفقر والحرمان وتكدّ طوال يومك من أجل دراهم لا توفّر لك سوى زهيد العيش في حين ينعم غيرك بكلّ ما لذّ وطاب ..." ضجرت من حجاجه ولعنته ولكنّه أصرّ على أن يأخذني في جولة معه لأكتشف أمورا ما عرفتها يوما ...
والحمد لله صحوت على صوت زوجتي توقظني لأداء صلاة الصّبح قبل أن أقصد مكان عملي ، فقصصت عليها رؤياي فاستعاذت بالله من الشّيطان الرّجيم ، وأسرعت إليّ بكأس ماء ، فشربت منه وحمدت الله على نعمته وعلى السّلامة من عبث الشّيطان .
انتهت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق